والله لا أمحوها ابدا // بقلم المتألق// محمود محمد زيتون

 ......  والله لا أمحوها أبدٱ......

هناك في أعماق كل منا ، وفي تلافيف الذاكرة ، مناطق كأنها حفر عميقة ،  يسكنها الأسى ويغلفها الخذلان.! 

تلك البقاع المظلمة التي لا يصل إليها نور الروح،  ولا يمحوها نسيان.! 

إنها المواقف المريرة من آثار الجحود ، والتآمر ،  والخيانة التي تترسب في النفس ،  وتتمدد،  كالشعاب المرجانية، تحت الجلد  وفي أعماق الوجدان.! 

وكثيرٱ ما كنت أتسامح وأتسامى، ولكنني - ويالقسوة المرارة - لم أستطع النسيان،  ولم أقدر على محو ما كان من غدر بعض بني الإنسان.! 

وحاولت أن أمحو وأتناسى كما فعل إبراهيم  ناجي ،  وهو يناشد نفسه  ، ويخاطب قلبه ويحث روحه على تعلم النسيان  ومحو ما كان من قسوة الأيام  ، حين رأى صرح حبه يتداعى أمام ناظريه كالأطلال ، ويقول : 

       أيها الساهر  تغفو..

               تذكر العهد وتصحو

      وإذا ما التأم جرح..

                 جد بالتذكار جرح

      فتعلم كيف تنسى

                وتعلم كيف تمحو.!

وكيف تنسى الجراح وهي تئن وتصرخ ،وتنزف ، كلما مر يوم أو تعاقبت أعوام.!

وإذا كان  «الشافعي  »  يدعونا للصفح إذا أساء الصديق- وهو واجب إنساني وديني- فيقول:

وإذا الصديق أساء إليك بجهله

    فاصفح لأجل الله ليس لأجله

فإن نسيان الإساءة ومحوها من أصعب الأشياء على النفس البشرية.!

وتتجسد أمام ناظري تلك المشاهد النورانية من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية.

فقد اختار كفار قريش «سهيل بن عمرو»  ؛ لعقد وكتابة الصلح.ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم  الإمام «علي بن أبي طالب» -رضي الله عنه- وقال له: 

«اكتب: باسمك اللهم، هذا ما عاهد عليه محمد رسول اللّه وسهيل بن عمرو»

فاعترض سهيل بن عمرو، وقال:

«لو نعلم أنك رسول اللّه ، ما صددناك عن البيت. لا تكتب محمد رسول الله ، ولكن اكتب محمد بن عبدالله»

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:

« امحها يا علي.. واكتب محمد بن عبدالله»!

فقال علي رضي الله عنه  :

«والله لا أمحوها أبدٱ يا رسول اللّه».!

فقال الرسول عليه الصلاة والسلام :

«هاتها يا علي..» فمحاها بيده الشريفة ؛ لأنه يعلم أن الإمام علي لن يمحو كلمة « رسول اللّه».!

وهو موقف يجسد حنكة وحكمة وبعد نظر الرسول- صلى الله عليه وسلم  - كقائد يضع استراتيچية للحفاظ على رسالة الإسلام ،  ونشرها في ربوع المعمورة، ويعمق روح التسامح في ترفع وتواضع.

لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينس أيضٱ،  ولم يمح ما حدث ، وبدأ الإعداد لفتح مكة، ولتكون عبارة « لا إله إلاالله، محمد رسول اللّه» ملء سمع الزمان والمكان.!

              بقلمي

    محمود محمد زيتون

كاتب تربوي وإعلامي مصري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا بعد// بقلم المبدع// صالح بوطبزة

بين السطور// بقلم هرم قصيد الغزل والنظم// عبد الكريم سيفو

مغربي الحبيب// بقلم المبدع// جمال الغوتي